«كامكو إنفست» أصدرت تقرير تمكين منظومة التكنولوجيا الإقليمية
أصدرت «كامكو إنفست» تقريرها عن منظومة التكنولوجيا في المنطقة، التي خلصت إلى أن توافر رأس المال في مراحل النمو، إضافة إلى الإصلاحات التنظيمية، يُعدان من العوامل الرئيسية في تحفيز هذا القطاع والاكتتابات العامة.
في التفاصيل، ووسط التطور السريع لمنظومة الاستثمار بالشركات الناشئة والمبتكرة، أو ما يُعرف برأس المال الجريء، لا يُعتبر توافر رأس المال لدعم مراحل النمو المتقدمة للشركات الناشئة مجرد ميزة تنافسية، بل هو عامل أساسي ومحوري لدفع عجلة نمو هذه الشركات.
ومع توسّع الشركات وتطور الأسواق، يصبح الاستثمار في مراحل النمو والمراحل المتأخرة للشركات ضرورة للحفاظ على نموها المستدام وتوسعها، وخلق فرص جديدة للتخارج، ودعم عمليات الاستحواذ الاستراتيجية. ويتجلى ذلك بشكل خاص في ظل تزايد عمليات الاستحواذ التي تنفذها الشركات الكبرى على الشركات الصغيرة، سواء لدمج التقنيات المبتكرة من ضمن أعمالها أو توسيع نشاطها.
وقالت نائب رئيس أول للاستثمارات البديلة دلال الشايع: «من خلال توفير رأس المال المناسب وتقديم الدعم لنمو الشركات الناشئة، يمكن للمستثمرين تحويل هذه الشركات الناشئة الواعدة إلى أهداف للاستحواذ أو مؤسسات جاهزة للاكتتاب العام.
وهذا بدوره يضمن استمرارية ودفع عجلة الابتكار ويخلق قيمة مضافة في المنظومة الاقتصادية. وبالنسبة إلى الشركات الناشئة، يساعد التمويل في المراحل المبكرة على تطوير المنتجات والدخول إلى أسواق جديدة، ولكن توافر التمويل في مراحل النمو يعتبر عاملاً أساسياً لتوسيع العمليات، وزيادة الإيرادات، وتحسين التقييمات، وتأهيل الشركات للاستيفاء بمتطلبات الاكتتابات العامة أو الاستحواذات.
ومن دون هذا التمويل الحاسم، قد تواجه حتى الشركات الواعدة خطر الركود، وعدم القدرة على المنافسة، أو الفشل في تحقيق إمكاناتها الكاملة».
وشهدت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تغيرات كبيرة في منظومة رأس المال الجريء خلال السنوات الأخيرة. تاريخياً، كانت فجوات التمويل تحد من نمو الشركات الناشئة، لكن دخول المستثمرين المؤسسيين وصناديق الثروة السيادية أدى إلى تسريع هذا النمو.
وبرزت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات كرواد في هذا التحول، من خلال استراتيجيات التنويع الاقتصادي، التي جعلت من الاقتصاد الرقمي محوراً رئيسياً.
على سبيل المثال، شهدت السعودية 5 سنوات متتالية من نمو تمويل رأس المال الجريء بدعم من تطوير اللوائح التنظيمية التي تبنتها الحكومات، زيادة ثقة المستثمرين، واستقطاب عدد من الشركات الناشئة إلى المملكة. وبالمثل، ركّزت الإمارات على ريادة الأعمال والتحول الرقمي، مما عزز مكانتها كوجهة رئيسية للاستثمار في التكنولوجيا.
وقد جذب هذا الزخم المستثمرين الدوليين، إذ ارتفعت مساهمة رأس المال الأجنبي إلى 37 بالمئة من إجمالي تمويل رأس المال الجريء في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2024، مقارنة بـ 17 بالمئة في نفس الفترة من العام 2023.
ووفقاً لتقرير «ماجنيت» (Magnitt)، زاد عدد المستثمرين في المنطقة من 116 إلى 196 خلال الفترة ذاتها.
ومنذ العام 2021، أدت الإصلاحات وزيادة الاستثمارات إلى نمو حجم الاستثمار في تمويل مراحل النمو ، إذ ارتفعت حصة تمويل مراحل النمو من 14 بالمئة العام 2020 إلى 31 بالمئة العام 2021، لتصل إلى 41 بالمئة العام 2023.
ومع ذلك، تباطأ نمو الاستثمار خلال الأشهر التسعة الماضية من العام 2024 بسبب التحديات الاقتصادية العالمية وارتفاع أسعار الفائدة، لكن يتوقع أن يكون أداء الربع الرابع من العام نفسه أفضل، استناداً إلى تاريخه كأكثر الأرباع نشاطًا في المنطقة من حيث التمويل وابرام الصفقات.
وشهد قطاع التكنولوجيا في المنطقة زيادة ملحوظة في عدد التخارجات، مع هيمنة عمليات الاندماج والاستحواذ على المشهد، نظراً إلى عدم توافق الأسواق العامة مع الخصائص الفريدة لشركات التكنولوجيا. فعلى سبيل المثال، شهد قطاع التكنولوجيا في الكويت العديد من عمليات الاستحواذ البارزة العام 2024، مثل الاستحواذ الجزئي من بنك الكويت الوطني على شركة يو بايمنتس (Upayments)، واستحواذ شركة فورتا أدفايزرز (Forta Advisors) على %49 من شركة شاشة (Shasha)، إضافة إلى استحواذ شركة جدوى للاستثمار على حصة مؤثرة في تطبيق دبدوب عام 2022.
وبينما تعد عمليات الاندماج والاستحواذ الوسيلة الأساسية للتخارج، فإن الاكتتابات العامة بدأت تشهد زخماً ملحوظاً، خصوصاً في السعودية والإمارات، بفضل الإصلاحات التنظيمية التي تبنتها هذه الدول، فقد ساهمت هذه الإصلاحات في زيادة حصول الشركات التكنولوجية على تمويلات في مراحل النمو من مستثمرين محليين متخصصين، مما ساعدها في توسيع أعمالها وتأهيلها إلى استيفاء متطلبات الإدراج في الأسواق المالية.
وهذا ما يسمح للمؤسسين بالتركيز على توسيع نشاط الشركات وتعظيم قيمتها للمستثمرين، بدلاً من التسرع في التخارج بقبول عروض الاستحواذات في وقت مبكر. ويمثّل هذا التحول منعطفاً مهماً في تطور منظومة رأس المال الجريء بالمنطقة، حيث يتيح للشركات الناشئة في قطاع التكنولوجيا إدراج أسهمها في اكتتابات عامة ناجحة، والذي تجلّى بوضوح في الاكتتابات الناجحة لشركتي رسن ونايس ون في السعودية وشركة طلبات في الإمارات.
ومن الاستحواذ إلى الاكتتاب العام يمثّل التخارج الناجح لشركة ديليفري هيرو من تطبيق طلبات علامة فارقة مهمة في تاريخ منظومة الشركات الناشئة في المنطقة، مؤكداً الإمكانية لتحقيق تخارجات تحقق عوائد مرتفعة لمستثمري المراحل الأولية.
«طلبات»، وهي شركة ناشئة كويتية أسست عام 2004، تم الاستحواذ عليها من «ديليفري هيرو»، الشركة الرائدة عالمياً في خدمات توصيل الطعام عبر الإنترنت، عام 2015 مقابل حوالي 170 مليون دولار. وفي العام 2024، حققت «ديليفري هيرو» عائداً كبيراً من استثمارها من خلال طرح 20 في المئة من أسهم الشركة في سوق دبي المالي، بقيمة سوقية للشركة بلغت 10.6 مليارات دولار عند الإدراج.
وشهد الاكتتاب العام إقبالاً قوياً من المستثمرين الدوليين المحليين، مما جعله أكبر اكتتاب عام في قطاع التكنولوجيا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لعام 2024، وأحد أكبر عشر اكتتابات عامة على مستوى العالم في 2024.
ولا شك في أن صفقة استحواذ «ديليفري هيرو» على تطبيق طلبات عام 2015 كان بمنزلة قصة نجاح بارزة في المنطقة أيضاً، وعاملاً محفزًا لإطلاق شركة جاهز، وهي منصة توصيل الطعام السعودية عبر الإنترنت.
ولاحقاً أصبحت شركة «جاهز» أول شركة تقنية سعودية ناشئة تطرح أسهمها للاكتتاب العام في سوق نمو، السوق الموازي في السعودية، في يناير 2022. وقد فتح تطوير اللوائح التنظيمية الخاصة بالاكتتابات العامة في السعودية فرصاً جديدة، حيث سلط اكتتاب شركة جاهز الضوء على التحديات التي تواجهها الشركات الناشئة عند السعي لطرح أسهمها في الأسواق العامة الرئيسية.
في ذلك الوقت، كان يتطلب من الشركات في السوق الرئيسي السعودي، تداول، تحقيق أرباح على مدى السنوات الثلاث التي تسبق الإدراج، وهو شرط يصعب على الشركات الناشئة ذات النمو السريع تحقيقه.
وعند طرح شركة جاهز للاكتتاب العام، لم تكن الشركة مستوفية للمتطلبات اللازمة للإدراج في سوق تداول، السوق الرئيسي في السعودية، مما أدى إلى إدراجها في سوق نمو (السوق الموازي).
واستجابةً لهذه التحديات، أجرت هيئة السوق المالية السعودية سلسلة من الإصلاحات التنظيمية، حيث تم استبدال شرط متطلبات الربحية بمتطلب ضمان توافر رأسمال كاف لتغطية مصروفات الشركة والتزاماتها للـ 12 شهرًا التي تلي الإدراج. كما تضمنت الإصلاحات إلغاء شرط أن يكون مقر الشركة الرئيسي في السعودية لمدة لا تقل عن 3 سنوات، مع ضمان عدم وجود تغييرات جوهرية في نشاط الشركة الأساسي أو هيكل مساهميها خلال نفس الفترة.
قصة نجاح إقليمية حققت شركة «رسن» نجاحاً كبيراً بإدراج أسهمها في السوق السعودي الرئيسي (تداول)، مما يعكس التطور الإيجابي في منظومة رأس المال الجريء في المنطقة، حيث تمكنت شركة رسن من نمو أعمالها من خلال جمع جولات تمويل متعاقبة، بدءاً من التمويل ما قبل التأسيس، وصولاً إلى التمويل في مراحل النمو، وتمكنت من تقديم تخارج ناجح للمستثمرين من خلال طرح أسهمها للاكتتاب العام في السوق السعودي الرئيسي، تداول.
وقد أسست شركة رسن عام 2016، وهي شركة ناشئة تعمل في مجال التكنولوجيا المالية في السعودية عبر منصتها «تأميني»، التي تعد أكبر منصة تأمين الكترونية في السعودية، وبدأت الشركة الاكتتاب العام في مايو 2024، وشهدت طلباً هائلاً تجاوز المعروض من الأسهم بـ 129 مرة، بقيمة بلغت 29 مليار دولار، مقابل طرح بقيمة 224 مليون دولار.
وعند الإدراج، بلغ سعر السهم 40.7 ريالا سعوديا، وارتفع لاحقاً إلى 83.6 ريالا، مسجلاً زيادة بنسبة 100 بالمئة، مما رفع قيمة الشركة السوقية إلى أكثر من مليار دولار.
قصة نجاح إقليمية أخرى وحققت أيضاً شركة «نايس ون» المتخصصة في التسويق الرقمي لمنتجات التجميل، وهي شركة تجارة إلكترونية سعودية أسست عام 2017، نجاحاً كبيراً عند إدراج أسهمها للكتتاب العام في السوق السعودي الرئيسي (تداول) في 8 يناير 2025.
وفي ديسمبر 2024، أكملت الشركة طرحاً عاماً لحصة بلغ 30 بالمئة من أسهمها بسعر 35 ريالاً للسهم، مما منح الشركة تقييماً اجمالياً تجاوز 4.0 مليار ريال (1.0 مليار دولار). وعند الإدراج، ارتفع سعر السهم بنسبة 30 بالمئة، ليصل إلى 45 ريالاً، وهو الحد الأقصى لارتفاع أي سهم في يوم واحد، وارتفع لاحقاً ليصل إلى 49 ريالا، مسجلاً ارتفاعاً بنسبة 40 بالمئة خلال أسبوع من الإدراج.
تمكين الموجة التالية من الاكتتابات العامة وقد أبرزت قصص نجاح اكتتاب شركات رسن، ونايس ون، وطلبات، أن الجمع بين التمويل المناسب والدعم التنظيمي الفعال يمكن أن يحوّل الشركات الناشئة إلى قصص نجاح إقليمية. فمن خلال معالجة الفجوات في البيئة التنظيمية، وتوافر التمويل لدعم جميع مراحل نمو الشركات، يمكن للمنطقة أن تستفيد من إمكاناتها الكاملة لتصبح مركزاً للابتكار ومصدرا أساسيا لرؤوس الاموال، مما يمهد الطريق للجيل القادم من الشركات الناشئة من التأهل لطرح أسهمها للاكتتابات العامة.
ووصلت منظومة الشركات الناشئة في المنطقة إلى نقطة تحوّل رئيسية، فمع زيادة تدفق رأس المال المخصص للنمو وتطبيق الإصلاحات التنظيمية التي تدعم الاكتتابات العامة، فإن المنطقة أصبحت في وضع تنافسي مميز يخولها الحفاظ على الزخم وجذب الاستثمارات الدولية، وقد تم فعلاً تطوير نظام بيئي مهيأ نتج عنه إعلان أكثر من 13 شركة تكنولوجية عن خططها للسعي نحو إدراج أسهمها من خلال اكتتاب عام في العامين المقبلين.
ولكن مع ذلك، يتعيّن على صانعي القرار الاستمرار في تحسين البيئة التنظيمية لتمكين الشركات الناشئة من التوسع والنمو، والوصول إلى الأسواق العامة دون عقبات.