• الكويت تستورد معظم احتياجاتها الغذائية من مصادر مختلفة حول العالم ولا تملك سلطة التأثير على أسعار المستورد
• القرار جاء بعكس مستهدفاته وتسبب في فجوة بين السعرين الداخلي والخارجي
أوضح تقرير «الشال» أن حماية المستهلك التزام أساسي لسلطات اتخاذ القرار في أي بلد، ولكن الأهم من قرار الحماية هو مسار المراجعة المتصل لقياس فعاليته مع مرور الزمن وكل تغير في الظروف التي حتمته، ولا يبدو أن القرار رقم (67) لسنة 2020 بشأن تثبيت أسعار كافة السلع الغذائية قد حقق أياً من مستهدفاته. فالقرار صدر في شهر مارس من عام 2020 إبان جائحة كورونا استباقاً لما كان يمكن أن تسببه اختناقات العرض من ارتفاع مفاجئ وحاد في أسعار السلع الغذائية الضرورية، سواء كان ارتفاع صحيح أو مفتعل. والجائحة حدث استثنائي تطلب إجراء استثنائي، وما هو استثنائي هو بالتعريف مؤقت يزول بزوال آثار الحدث، ويفترض بالجهة التي أصدرته أن تلغيه حال انتهاء مبرراته ومراجعة فعاليته، من دون طلب أو تدخل من أي طرف آخر.
وأضاف التقرير أن القرار الوزاري رقم (67) لسنة 2020 ليس استثنائياً بسبب جائحة كورونا فقط، وإنما استثنائي لأن الجهة التي أصدرته لا تملك سلطة على تسعير المنتج المستورد من مصادره المنتشرة حول العالم، والأصل في تثبيت أسعار البيع هو توفر سلطة مماثلة لتثبيت أسعار الشراء كما في حالة البنزين في الكويت كمثال. ولأن الكويت تستورد معظم احتياجاتها الغذائية من مصادر مختلفة حول العالم، ولأن أسواق العالم مرت بحقبة تضخم غير مسبوقة منذ ثمانينات القرن الفائت، فالواقع هو أنها ليست فقط لا تملك السلطة في التأثير على أسعار المستورد، وإنما مجرد الحد من ارتفاعها بات لاحقاً المعركة الرئيسية لبنوك العالم المركزية الرئيسية.
وقال: عندما يتحول الاستثناء إلى قاعدة، أي استمرار مفعول القرار بتثبيت أسعار السلع الغذائية في الداخل رغم ارتفاعها في الخارج، ذلك يخلق فجوة بين السعرين نتيجة ارتفاع أسعار الشراء، حينها قد تتحول مستهدفات القرار إلى عكسها تماماً. بمعنى، أن السوق قد يقوم بعملية فرز غير صحية، يخرج منه تدريجياً من هو ملتزم بالقرار، والتزامه في الغالب يعود إلى شعوره أخلاقياً بضرورة ذلك الالتزام، ويحل مكانه غير الملتزم، وقد تستبدل السلع محل تثبيت السعر، بسلع جديدة أقل جودة وأعلى سعراً، وحكمها حكم العملة.
وأشار إلى أن أرقام تضخم أسعار المواد الغذائية في الكويت ربما تؤكد ذلك، فأسعار المستهلك الرسمية في الكويت تشير إلى أن مؤشر أسعار الأغذية والمشروبات ارتفع من مستوى 110.2 في يونيو 2020، إلى مستوى 150.8 في يونيو 2024، أي بنسبة 36.8% رغم سريان قرار تثبيت الأسعار. بينما ارتفع عن مستواه في عام 2017 البالغ 107.6 وحتى صدور القرار في عام 2020 إلى 110.2 كما أسلفنا، أي بنسبة ارتفاع 3.0% فقط. ذلك يؤكد نتائج القرار المعاكسة لمستهدفاته، والسبب ربما يكون لأن القرار استنفذ وقته منذ زمن طويل، وربما يكون بسبب البيئة الطاردة للمورد الملتزم، وربما يكون ناتج عن ضعف أو فساد رقابي، وربما من عدم دقة أرقام تضخم أسعار المستهلك في الكويت، وقد يكون خليط من كل المبررات المذكورة وغيرها، لذلك قد يكون الحل في إجراء آخر غير التثبيت.
وأكد أنه لا بأس من بعض المقارنة مع متغيرات أسعار المستهلك لبعض دول الجوار ذات الاقتصادات المشابهة، فمعدلات التضخم بشكل عام لديها تقل عن مستوى معدلات التضخم في الكويت البالغة للأعوام ما بين 2020 إلى 2023 نحو 3.0%، و4.2% و3.2% و3.4% على التوالي. بينما كانت تلك المعدلات للبحرين لنفس السنوات على التوالي نحو –1.6%، –0.4%، 3.6% و–0.3%، وكانت للسعودية نحو 5.3%، 1.2%، 2.0% و0.4%، وكانت للإمارات نحو –2.1%، –0.1%، 4.8% و1.6%. ولو حصرنا اهتمامنا على حركة أسعار مؤشر الأغذية والمشروبات، كان في البحرين في يونيو 2020 عند مستوى 111.3، وارتفع في يونيو 2024 إلى مستوى 128.7 أي بنسبة ارتفاع بلغت 15.6%، ومن مستوى 108.1 إلى مستوى 124.5 لنفس الفترة في السعودية أي بارتفاع بنسبة 15.2%، وارتفع للإمارات من 100.3 (يناير 2021) إلى 111.0 (يونيو 2023) أي بنسبة 10.7%، بينما ارتفاعه في الكويت بلغ 36.8% كما أسلفنا. ولو كان القرار قد حقق أهدافه المقصودة، لكان مستوى الارتفاع في الكويت أدنى من الدول الثلاث الأخرى، أما وقد تحقق العكس، فذلك دليل مقارن إضافي على انتهاء صلاحية القرار.
3. ثالثاً: القياس المقارن على مستوى العالم
تؤكد منظمة الأغذية والزراعة الدولية (FAO) على ظاهرة ارتفاع مؤشر أسعار الأغذية على مستوى العالم ليبلغ أعلى مستوياته في عامي 2021 و2022، ثم يبدأ بالانحسار. حيث يشير مؤشرها إلى مستوى له بحدود 99.2 في عام 2020، ثم يرتفع بشكل كبير إلى 125.2 في عام 2021، وقفزة أخرى في عام 2022 إلى مستوى 141.5، لتبدأ الأسعار في الانحسار إلى مستوى 120 في عام 2023، ثم إلى 113 حتى أغسطس من عام 2024، أو بمعدل ارتفاع عن مستوى عام 2020 بنحو 13.9%. ذلك يؤكد أن حركة الأسعار من المصدر متغيرة وبوتيرة حادة وخارجة عن سيطرة سلطات العالم، ومن المؤكد بأن المورد إلى السوق الكويتي لا يملك سوى القبول بالسعر السائد من مصادره، ما يجعل الالتزام بتثبيت أسعار السلع المستوردة محلياً، مهمة شبه مستحيلة.
وقال: «في خلاصة، كل القرارات التنظيمية لا بد وأن تخضع للمراجعة الدورية حال أي اختلاف في ظروف نشأتها، وذلك أكثر استحقاقاً في قرارات تؤثر على بيئة الأعمال العامة وعلى احتياجات كل الناس في أي بلد، مثل قرار تثبيت الأسعار إبان الجائحة. وفي قرار صدر في بيئة استثنائية، يفترض أن يزول تلقائياً بمجرد انتهاء الظروف التي تسببت في صدوره، ومع ما استعرضناه موجزاً سابقاً، لا يبدو أنه حقق أياً من مستهدفاته، سواء من واقع أرقام التضخم الرسمية محلياً، أو بالمقارنة مع ثلاث من دول الإقليم، أو بالتناغم مع تغيرات مؤشرات أسعار الغذاء على مستوى العالم، فلا هو حقق حماية للمستهلك ولا حافظ على بيئة أعمال صحية.