احتلت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا المرتبة السابعة عالميًا بين أكبر أسواق العملات المشفرة في العالم خلال عام 2024، بقيمة معاملات تقدر بنحو 338.7 مليار دولار بين يوليو 2023 ويونيو 2024، ما يمثل 7.5% من إجمالي المعاملات حول العالم، بحسب Chainalysis منصة البيانات المتخصصة في البلوكتشين.
وفيما تعمل الإمارات بشكل دؤوب على ترسيخ مكانتها كدولة رائدة في تنظيم تداول العملات المشفرة في المنطقة، تلقي فوربس الشرق الأوسط نظرة على مبادرات 4 دول في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وهي الإمارات والبحرين والسعودية وقطر تستهدف تعزيز قطاع التشفير والبلوكتشين، وفقاً لـ «فوربس».
الإمارات
في أكتوبر 2024، منح مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي موافقة مبدئية لشركة AED Stablecoin LLC لإصدار AE Coin، وهي أول عملة مستقرة مرتبطة بالدرهم الإماراتي، بما يتماشى مع الأطر التنظيمية التي وضعها المصرف المركزي. وخلال الشهر نفسه، أعلنت الإمارات أيضًا أن بعض الخدمات المرتبطة بالأصول الافتراضية ستكون معفاة من ضريبة القيمة المضافة بهدف تعزيز الابتكار والتكنولوجيا المالية، ما يدعم مكانة البلاد كمركز رئيسي لاستثمارات الأصول الافتراضية.
وأكدت رنيم طرفة، محللة أسواق في Axi أن الإمارات تعمل على تعزيز مكانتها كدولة رائدة إقليميًا في تبني تقنيات المستقبل، ليس فقط من خلال الانفتاح على العملات الرقمية، بل من خلال قيادة” ثورة Web3” في المنطقة، وأضافت لفوربس الشرق الأوسط أن هذا التوجه يعكس رؤية استراتيجية طموحة لتحويل الإمارات إلى وجهة عالمية للشركات البلوكتشين و Web3، وجذب الاستثمارات والكفاءات في هذا المجال الحيوي.
ومنذ إطلاق استراتيجية دبي للتعاملات الرقمية في عام 2016 ثم استراتيجية الإمارات للتعاملات الرقمية 2021 في عام 2018، تعمل حكومة الإمارات على تعزيز تقدمها في تكنولوجيا البلوكتشين واعتماد الأصول الرقمية محليًا. وأضافت طرفة أن الإمارات ركزت على البيئة التنظيمية، من خلال اللوائح القوية لمنع الأنشطة غير القانونية والتأكد من أن اعتماد العملات المشفرة يتماشى مع سياسات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، فيما تعزز هذه العناصر ثقة المستثمرين وتعمل على جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية.
في أغسطس 2024، أعلنت Tether عن خططها لتطوير عملة مستقرة مربوطة بالدرهم الإماراتي، والتي من المقرر إطلاقها بالتعاون مع مجموعة Phoenix. وخلال الشهر نفسه، أعلنت ريبل عن شراكة مع إنوفيشن هب في مركز دبي المالي العالمي لتسريع الابتكار في مجال بلوكتشين والأصول الرقمية في الإمارات وتسهيل اعتماد بلوكتشين والعملات المشفرة بين الشركات في مراحلها المبكرة.
في سبتمبر 2024، وقّعت هيئة الأوراق المالية والسلع (SCA) وسلطة دبي لتنظيم الأصول الافتراضية (VARA) اتفاقية تعاون لتعزيز مكانة الإمارات كمركز عالمي للأصول الافتراضية. فيما تسعى الحكومة جاهدة لتطوير أطر تنظيمية توازن بين الابتكار والحماية الأساسية. في حين تنظم هيئة الأوراق المالية والسلع خدمات الأصول الافتراضية، يشرف المصرف المركزي على خدمات رموز الدفع. علاوة على ذلك، يعمل مركز دبي المالي العالمي وسوق أبوظبي العالمي على تشغيل أطر تنظيمية مالية مستقلة، لكل منها إطار أصول افتراضية متميزة خاصة بها. وتأسست سلطة دبي لتنظيم الأصول الافتراضية في مارس 2022 كأول منظم مستقل في العالم للأصول الافتراضية ، وتلعب دورًا مهمًا في تنظيم الأصول الافتراضية وتوسيعها. في عام 2023، حصلت شركة رين تريدنغ ليمتد على تصريح الخدمات المالية من قبل سلطة تنظيم الخدمات المالية في سوق أبوظبي العالمي لتشغيل خدمة الوساطة والأصول الافتراضية المنظمة في سوق أبوظبي العالمي.
البحرين
وضعت البحرين نفسها كلاعب رئيسي في سوق العملات المشفرة، حيث قدمت الصناديق المتخصصة والحماية التنظيمية لجذب شركات التكنولوجيا المالية. في مارس 2023، قام مصرف البحرين المركزي بإجراء تعديلات على الفصل الخاص بالأصول المشفرة من مجلد التوجيهات السادس للمصرف بعد استشارة الجهات ذات العلاقة في القطاع. وكجزء من ذلك، قام المصرف بتوسيع نطاق الإطار التنظيمي ليشمل نشاط “طرح الرموز الرقمية” كجزء من أنشطة الأصول المشفرة المنظمة من قبل المصرف، حيث تخضع التعديلات الرموز المميزة ذات الميزات الأمنية لرقابة مصرف البحرين المركزي بناء على غرضها الاقتصادي وهيكلها وخصائصها والحقوق المرتبطة بها.
وتقول طرفة: “لقد كانت البحرين في طليعة الدول الداعمة، حيث تعمل على تعزيز موقعها كلاعب رئيسي في المشهد العالمي للعملات المشفرة”.
وفي عام 2019، أصبحت رين مانجمنت التابعة لرين تريدنغ ليمتد أول منصة مرخصة في الشرق الأوسط تقدم خدمة الأصول الافتراضية وهي تخضع للرقابة من قبل مصرف البحرين المركزي.
السعودية
اتسمت خطوات السعودية في مجال التشفير بالحذر، مع إيلاء اهتمام أكبر للبلوكتشين بدلًا من تداول العملات المشفرة. تقول طرفة: “على الرغم من أن السعودية لا تزال ترفض الاعتراف القانوني بالعملات المشفرة، لا قوانين سعودية تفرض عقوبات على تداول العملات المشفرة”.
في عام 2018، حذرت اللجنة الدائمة للتوعية والتحذير من نشاط المتاجرة بالأوراق المالية في سوق العملات الأجنبية (الفوركس) غير المرخص من العملات الافتراضية لأنها غير منظمة في المملكة. ومع ذلك، بعد 4 سنوات، عين البنك المركزي السعودي (ساما) رئيسًا لقسم العملات المشفرة، محسن الزهراني، ما يؤكد تطلعات الدولة الخليجية في مجال العملات المشفرة.
وتشير طرفة إلى أن هذا الموقف الحذر قد يتغير في المستقبل، خاصة بعد مبادرات السعودية في مجال العملة الرقمية.
في يونيو 2024، انضم البنك المركزي السعودي كمشارك إلى مشروع بنك التسويات الدولية “إم بريدج” mBridge الخاص باختبار منتج الحد الأدنى (MVP) للعملات الرقمية للبنوك المركزية. وهو تعاون بدأ في عام 2021 بين بنك التسويات الدولية والبنوك المركزية في تايلاند وهونغ كونغ ومعهد العملات الرقمية التابع لبنك الشعب الصيني، ويهدف انضمام السعودية مؤخرًا إلى تبسيط المدفوعات عبر الحدود باستخدام منصة العملة الرقمية متعددة البنوك المركزية (CBDC). وجدير بالذكر أن البنك المركزي السعودي ومصرف الإمارات المركزي قد أعلنا عن مبادرة مشتركة للعملة الرقمية في يناير/كانون الثاني 2019، تهدف إلى تقديم لتقييم جدوى إصدار عملة رقمية مشتركة.
ومن جهته يقول أحمد عسيري، استراتيجي الأبحاث في Pepperstone، لفوربس الشرق الأوسط إن السعودية تعمل على تطوير قدراتها في مجال بلوكتشين تحت مظلة رؤية 2030، مع التركيز على البنية التحتية للدفع عبر الحدود. وعلى الرغم من أن النهج التنظيمي تجاه العملات المشفرة لا يزال حذرًا، فإ الحكومة تنظر إلى تقنية بلوكتشين باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من مستقبل التمويل.
قطر
غيرت قطر موقفها من العملات المشفرة، فقد انتقلت من التحذير القاطع من البيتكوين في عام 2018 إلى البدء في إنشاء الإطار اللازم لتعزيز نمو عملتها الرقمية ووجودها في هذا القطاع بشكل عام. في يونيو 2024، أعلن مصرف قطر المركزي عن وضع اللمسات النهائية على البنية التحتية اللازمة لمشروع العملة الرقمية الخاصة بالمصرف المركزي. وتمثل هذه المبادرة خطوة استباقية تتماشى مع التطورات العالمية السريعة في هذا المجال. وبناء على دراسة شاملة في هذا المجال، أكد مصرف قطر المركزي عزمه على التقدم من خلال اختبار وصياغة تطبيقات محددة للعملة الرقمية الصادرة عن البنك المركزي. وقد صنف مصرف قطر المركزي العملات الرقمية وموقف مصرف قطر المركزي منها إلى 3 أنواع، تستفيد جميعها من تقنيات مماثلة لتمكين التحويلات المالية الفورية، ويشمل النوع الأول العملة الرقمية للبنك المركزي، وهي عبارة عن عملة رقمية صادرة من قبل المصرف المركزي مدعومة باحتياطيات نقدية، وتعتبر ذات التزام قانوني على المصرف المركزي. والنوع الثاني هي العملة المستقرة وتكون صادرة عن القطاع الخاص كشركة خاصة، وأخيرًا النوع الثالث وهي العملات المشفرة.
وفي سبتمبر الماضي، أعلنت هيئة مركز قطر للمال بالتعاون مع هيئة تنظيم مركز قطر للمال عن إصدار إطار عمل الأصول الرقمية لعام 2024، وهو نظام شامل لإنشاء وتنظيم الأصول الرقمية وتداولها في مركز قطر للمال. ويعد تطوير هذا الإطار أحد الأهداف الرئيسية التي حددتها الخطة الاستراتيجية الثالثة للقطاع المالي.
وفيما يتعلق بتوقعات الاعتماد على العملات المشفرة في المنطقة، يؤكد عسيري أن الدول الخليجية الأربع مستعدة لجذب التدفقات الاستثمارية بناء على استراتيجيات واضحة، ما يجعلها قادرة على تشكيل مستقبل التمويل الرقمي على مستوى العالم، مضيفًا أنه مع نضوج السوق، فمن المقرر أن تتطور العملات المشفرة من أدوات المضاربة لتمثل البنية التحتية الحيوية التي تدعم النظم المالية عبر الحدود.