تشهد عمليات الدفع بواسطة الصراف الآلي في الولايات المتحدة تحولاً متسارعاً نحو الرقمنة، حيث أصبح بالإمكان تخزين نسخ رقمية من بطاقات الخصم والائتمان، وتذاكر الحفلات، وحتى رخص القيادة ومفاتيح السيارات في محفظة الهاتف الذكيّ.
وشهد استخدام المحافظ الرقمية نمواً كبيراً في السنوات الأخيرة مع انتشار تقنية «الدفع بالنقر»، التي أصبحت شائعةً في جميع مناحي الحياة، من وسائل النقل العام إلى شراء الوقود والمواد الغذائية.
وفقاً لاستطلاعات بنك الاحتياطي الفيدرالي، أفاد حوالي 62% من المستهلكين الأميركيين بأنهم استخدموا المحافظ الرقمية في عام 2023، مقارنة بـ47% في عام 2022.
ما هي المحفظة الرقمية بالتحديد؟
تُعرف بأنها تطبيق يعمل على الهاتف المحمول أو الجهاز اللوحي أو الحاسوب أو أي جهاز آخر متصل بالإنترنت، ويخزن بيانات الدفع، ويسمح بإجراء المعاملات المالية. وعادةً ما تأتي الأجهزة العاملة بنظام «آي أو إس» من «أبل»، ونظام «أندرويد» من «جوجل»، وأنظمة التشغيل الأخرى، محملة مسبقاً بتطبيقات المحفظة.
بالإضافة إلى ذلك، توفر شركات التكنولوجيا المالية مثل «باي بال» تطبيقاتها وخدمات الدفع عبر الإنترنت. (أكبر البنوك الأميركية تقدم أيضاً خدمات الدفع الإلكتروني من خلال تطبيقاتها الخاصة مثل «زيل» (Zelle) لكنه لا يُعتبر محفظة رقمية؛ لأنه لا يخزن الأموال).
تعتمد عمليات الدفع بالنقر على تقنية الاتصال قريب المدى (NFC)، وهي تقنية تتيح تبادل المعلومات بين الأجهزة التي تكون على بعد بضعة سنتيمترات من بعضها البعض.
هل المحفظة الرقمية هي بطاقة ائتمان؟
المحفظة الرقمية ليست بطاقة ائتمان بحد ذاتها، لكنها قد تكون وسيلة لاستخدام هذا النوع من البطاقات في بعض الحالات، وذلك يعتمد على نوع المحفظة الرقمية المستخدمة. كما يعتمد مكان الاحتفاظ بالأموال على نوع المحفظة وخيار الدفع المستخدم. فإذا كانت المحفظة الرقمية تحتوي على بطاقة خصم، فهذا يعني أن الأموال موجودة في البنك المرتبط بهذه البطاقة. أما إذا كانت تحتوي على بطاقة ائتمان، فإن المال يكون مجرد قرض من البنك. وبالنسبة للتطبيقات مثل تطبيق «ستاربكس»، فهي تعمل بشكل يشبه بطاقة هدايا مدفوعة مقدماً أكثر من أي شيء آخر.
ما هو الفرق بين المحافظ الرقمية؟
هناك ثلاثة أنواع رئيسية:
«أبل باي» و»جوجل باي» و»سامسونج باي»
هذه المحافظ، التي عادةً ما تكون محملة مسبقاً على الهواتف الذكية، تتيح للمستخدمين إضافة بطاقات الخصم والائتمان للدفع عبر الهاتف المحمول. فعندما يكون المستهلك جاهزاً لإتمام معاملة، فإنه يفعّل تطبيق المحفظة، ثم يختار البطاقة التي يريدها ويضع هاتفه الذكي قرب جهاز الدفع. ويمكن استخدام هذه المحافظ فقط مع نوع الهاتف المربوطة به، بالرغم من أن «أبل» أعلنت مؤخراً أنها ستسمح لأطراف ثالثة باستخدام شريحة الدفع الخاصة بهواتف «أيفون» لإجراء معاملات.
«فينمو» و»كاش آب» و»باي بال» والمحافظ الأخرى من نظير إلى نظير.
هذه التطبيقات مختلفة؛ لأنها تحتفظ بالأموال فعلياً، ويأتي ذلك في الغالب بالتعاون مع بنك متخصص في التكنولوجيا المالية، قبل وبعد تحويل الأموال إلى الوجهة المطلوبة. لذلك، إذا فشل تطبيق مثل «فينمو» (Venmo) أو أعلن إفلاسه، قد يواجه المستهلكون خطر فقدان أرصدتهم، أو عدم الوصول إلى حساباتهم لفترة طويلة. (أما «زيل» فيختلف عن «فينمو» في كونه مجرد «موجّه للطلبات»، حيث يعمل كوسيط يطلب من بنك ما إرسال المال إلى بنك آخر).
«ستاربكس» و»دنكن» وغيرهما من تطبيقات شركات تجارة التجزئة
تعمل هذه التطبيقات بشكل فعال كبطاقات مدفوعة مقدماً. فعلى سبيل المثال، إضافة المال إلى تطبيق «ستاربكس» تشبه تماماً إضافة المال إلى بطاقة هدايا، حيث لا يتوفر المال في البنك، بل لدى بائع التجزئة بالفعل.
متى أصبحت المحافظ الرقمية واسعة الانتشار؟
تتوفر المحافظ الرقمية منذ تسعينات القرن الماضي، حيث كانت «باي بال» و»على باي» ضمن أول الرواد بهذا المجال. وأُطلقت «جوجل والت» (Google Wallet) في عام 2011، تلاها تطبيق «أبل باي» (Apple Pay) في 2014، ثم «أندرويد باي» (Android Pay) و»سامسونج باي» (Samsung Pay) في العام التالي. ودُمجت «محفظة جوجل» و»أندرويد باي» لتصبحا في النهاية «جوجل باي» خلال عام 2018.
مع ذلك، لم تتفوق المحافظ الرقمية عبر الهواتف المحمولة على بطاقات الائتمان كوسيلة الدفع الأكثر استخداماً على مستوى العالم حتى عام 2019، بينما استغرق الأمر أربعة أعوام إضافية لتحقيق هذا الإنجاز في الولايات المتحدة. ووفقاً لتقرير صادر عن شركة «جونيبر ريسيرش» (Juniper Research)، يُتوقع أن تُستخدم المحافظ الرقمية لإجراء معاملات بقيمة 16 تريليون دولار بحلول عام 2028.
لماذا لا تقبل بعض الشركات المحافظ الرقمية؟
عندما ترفض إحدى الشركات المحافظ الرقمية، فإن ذلك يعود عادةً إلى عدم رغبتها في تحمل تكاليف ترقية أجهزة الدفع الخاصة بها، أو اعتقادها أن التكاليف أو القيود المرتبطة بقبول المحافظ الرقمية قد تفوق الفوائد التي تعود على المستهلكين. وربما ترغب أيضاً في أن يستخدم العملاء منصتها للدفع الرقمي مثل «ولمارت باي» (Walmart Pay).
ما مدى أمان المحافظ الرقمية؟
تعتمد درجة الأمان في المحافظ الرقمية على نوع المحفظة المستخدمة، إذ يمكن القول إن استخدام محفظة مثل «أبل باي» أكثر أماناً من استخدام بطاقة فعلية بفضل تدابير الأمان الإضافية مثل التعرف على الوجه. علاوة على ذلك، عند استخدام الهاتف للدفع عبر «أبل باي»، تولد المحفظة الرقمية معرّفاً فريداً يُعرف باسم «الرمز» الذي لا يكشف عن رقم بطاقة الائتمان الفعلي للتاجر.
بالنسبة لتطبيقات مثل «فينمو» و»كاش آب»، فهي آمنة نسبياً أيضاً؛ نظراً للاستثمارات الأمنية التي ضختها شركاتها المالكة، رغم أن أمان الأموال المخزنة في تلك المحافظ قد يكون محل تساؤل إذا فشلت تلك المنصات في يوم من الأيام.
من ينظم هذا المجال؟
تشرف هيئات تنظيمية متعددة على جوانب مختلفة بهذا المجال. في الولايات المتحدة، تخضع حركة الأموال وحفظها لرقابة صارمة مع وجود عديد من نقاط التداخل بين الهيئات المختلفة. تطبق شبكة مكافحة الجرائم المالية (FinCEN) قوانين لمكافحة غسيل الأموال، فيما يتعين على بعض البنوك الالتزام بمتطلبات هيئات رقابية متعددة مثل مكتب مراقبة العملة (Office of the Comptroller of the Currency)، ومجلس الاحتياطي الفيدرالي، ومؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية (Federal Deposit Insurance Corporation). وعلى مستوى الولايات، يعمل المدعون العامون ومكاتب حماية المستهلك باعتبارهم كيانات إضافية تتعامل مع مجموعة من القضايا المتعلقة بحماية المستهلكين.
ويشرف مكتب حماية المستهلك المالي (CFPB) بالفعل على شركات مثل «باي بال» و»بلوك»، لكنه اقترح مراقبة «أبل» و»جوجل» و»ميتا بلاتفورمز» أو أي شركة أخرى تتعامل مع أكثر من خمسة ملايين معاملة سنوياً.
إذا أُقرت هذه المقترحات، فإن هذا سيتيح لمكتب حماية المستهلك المالي مراقبة المحافظ الرقمية لضمان امتثالها للقوانين الفيدرالية المتعلقة بتحويل الأموال، وكذلك التأكد من عدم وجود ممارسات غير عادلة أو مضللة أو مسيئة. وفي حال تصرفت الشركات بشكل غير قانوني، فإن المكتب يمتلك بالفعل صلاحية للتدخل، لكنه بموجب القواعد الحالية لا يستطيع مراقبة عملياتها بانتظام.
ما الذي يمكن أن تقدمه هذه التكنولوجيا أيضاً؟
يعد تحديد الهوية أحد مجالات النمو المحتملة. وفي الوقت الراهن، لا تُستخدم المحافظ الرقمية سوى في عدد محدود من الولايات الأميركية. ومع ذلك، أعلنت كاليفورنيا، الولاية الأكثر اكتظاظاً بالسكان، في أغسطس عن خطط للسماح للسكان بالاحتفاظ برخص القيادة الخاصة بهم في محافظ «أبل» و»جوجل».
هل أصبحت المحافظ الرقمية شائعة في كل مكان؟
لا، فلا تزال العديد من المعاملات الكبيرة مثل دفع الإيجارات وفواتير المرافق ومصاريف الشركات تُجرى باستخدام الشيكات. ومع ذلك، أصبحت المحافظ الرقمية أكثر انتشاراً على مستوى العالم، وهي تبرز بشكل خاص في جنوب شرق آسيا، تليها أميركا اللاتينية، ثم أفريقيا والشرق الأوسط.
من المتوقع أن يصل عدد المحافظ الإلكترونية المستخدمة إلى نحو 440 مليون بحلول عام 2025 في إندونيسيا وماليزيا والفلبين وسنغافورة وتايلند وفيتنام، وفق بحث أجرته شركة التكنولوجيا المالية «بوكو» (Boku Inc) في لندن. كما يُتوقع ارتفاع استخدام تلك المحافظ في أميركا اللاتينية بنسبة 166% خلال الفترة نفسها، بينما سيزداد في أفريقيا والشرق الأوسط بنسبة 147%.